جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
184451 مشاهدة print word pdf
line-top
الآيات الدالة على صفة العلم

...............................................................................


فإذا تأملنا مثلاً الآيات التي تدل على صفة العلم مثل قوله تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى في سورة طه أي: سر الإنسان ما أسره في نفسه ولم أو تكلم به خفية كما حكى الله عن يوسف قوله: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ يعلم السر وأخفى من السر. أخفى من السر هو الشيء الذي يهم به ولكنه لم يحدث به نفسه جازماً.
فالله يعلم سرنا ويعلم جهرنا، ويعلم أخفى من ذلك، وكذلك قوله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى إذا علم ما يخفى فإنه يعلم الجهر وهو الذي يتكلم به الإنسان، ويفصح به يعلم ذلك كله يعلم الجهر وما يخفى، ومثل قول الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أي: كيف لا يعلم بخلقه وهو الخالق لهم؟
الجواب: بلى يعلم بما خلق خلقه كلهم لا يكون شيء من أحوالهم إلا بعلمه سبحانه وتعالى، ويكثر في القرآن قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الغيب هو الذي غاب عنا، والشهادة الذي نشاهده ونراه. عالم بذلك، وهكذا مثل قوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ قد علمها قبل أن توجد وكتبها.
وكذلك الآية التي مرت بنا في سورة لقمان قول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ حبة من خردل فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يعني: أو تكون في أية مكان يأت بها الله، لا يخفى عليه شيء.
كيف نستفيد من هذه الآيات صفة العلم، واسم العالم والعليم ، فإن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه موصوف بالعلم يعلم كل شيء يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن كيف يكون، ثم كيف نستفيد إذا عرفنا هذه الصفة التي هي صفة الله تعالى بأنه عليم وأنه عالم بكل شيء فائدتك أن تعلم أن الله تعالى يراك حيثما كنت.
تأمل قول الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تأمل ذلك، ثم تستفيد أيضاً مراقبة الله. إذا علمت بأنه يراك وأنه يعلم خطرات قلبك، ويعلم فلتات لسانك، ويعلم ما تسره، وما تعلنه، ويعلم خفيّ أمرك وجليّه فإنك تراقب الله تعالى وتستحضر أنه رقيب على عباده وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ؛ لذلك الذين يستحضرون دائماً أن ربهم سبحانه يعلم أحوالهم ويراهم، وأنه معهم بعلمه لا يخفى عليه شيء من أمرهم؛ لا يجرءون على معصيته، ولا يقربون من شيء من المخالفات التي حرمها عليهم، فإذا رأيت العاصي والمذنب المرتكب لشيء من المحرمات، والواقع في شيء من المنهيات، والتارك للطاعات علمت بأنه ضعيف الإيمان لم يكن مستحضراً دائمًا أن ربه يراه، وإذا استحضر ذلك لم يستحضر عظمة الله، وجلاله، وكبرياءه ولم يستحضر شدة بطشه ولا شدة عقوبته ولم يستحضر ثوابه وعقابه، ولم يستحضر قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ولم يستحضر قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ بل إنما علمه بهذه علم مجمل؛ لذلك ضعف إيمانه، وقوي شكه وانبعثت نفسه إلى المحرمات، ووقع في هذه المنهيات. هذا سبب من الأسباب.
نستحضر أيضاً مثل قول الله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ بعد أن ذكر الله جنس خلق الإنسان من الذي خلقك أيها الإنسان؟ يقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ما تمنون. أي: ما تقذفون في الأرحام من هذا المني الذي يخلق الله منه بشراً سويًّا هل أنتم الذين تخلقونه أم الله خالقه؟ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ لا شك أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء.

line-bottom